- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠1برنامج حياة المسلم 1
مقدمة :
المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صلّ وسلم، وأنعم وأكرم على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وتعالى وبركاته، أهلاً وسهلاً بكم مستمعينا الكرام على الهواء مباشرة عبر أثير إذاعتكم حياة fm في مجلس العلم والإيمان، مع فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، فأهلاً وسهلاً بكم مستمعينا.
حديثنا في هذا اللقاء يكون عن الهم والحزن الذي يصيب كثيراً منا، فبات كثير من الناس يشكون الهم والحزن والضيق الذي يعيشون به، قد تتوفر الأموال، قد يتوفر كثير من ميزات الحياة والعائلة والمنصب والشهادة لكن الإنسان يشعر بنوع من عدم الرضا والسعادة، ويشعر بأن هماً يطارده في ساعات الليل والنهار، هل الهم جندي من جند الرحمن؟ هذا هو حديثنا، مرحباً بكم فضيلة الدكتور محمد، أهلاً وسهلاً يا دكتور.
الدكتور راتب:
بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع :
قال تعالى:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾
هل هذا الضنك الذي يعيشه الناس اليوم بسبب البعد عن الله؟ ما هو سبب الهم والحزن؟
من أخلّ بما كلفه الله به من عبادة فالله في حلّ من وعوده الثلاثة :
الدكتور راتب:
لم لا نبدأ بالموقف الإيجابي؟ قال تعالى:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
هذا وعد من الله فوق المكان، والزمان، والظروف، والأزمات، وفوق كل شيء، زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، قال تعالى:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾
كقانون وليس كحالة فريدة:
﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾
يوجد ملمح دقيق بالآية، أي دين وعد بتمكينه؟ الدين الذي يرتضيه الله لنا، فإن لم نمكن أو إن لم يمكن ديننا معنى ذلك أن فهمنا للدين لم يكن مقبولاً عند الله عز وجل، دين حفلات، دين فولكلور، دين مسابقات، لكن لا يوجد تطبيق، قال تعالى:
﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
الكلام والله تنهد الجبال إن لم يقع، قال تعالى:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾
الحقيقة المرة أهون ألف مرة من الوهم المريح، أننا لسنا مستخلفين، وديننا ليس ممكناً في الأرض، بل يواجه حرباً عالمية ثالثة كان تحت الطاولة واليوم فوق الطاولة جهاراً نهاراً، قال بعض أعضاء الكونغرس: بما أن الغرب مهيمن على الشرق لن نسمح بقيام حكم إسلامي في الشرق، والانتخابات الحرة النزيهة عندما أفرزت إسلاميين في الجزائر ألغيت، والانتخابات الحرة النزيهة عندما أفرزت إسلاميين في فلسطين ألغيت، والانتخابات الحرة النزيهة عندما أفرزت إسلاميين في مصر ألغيت، يريدون ديمقراطية تفرز عملاء لهم، قال تعالى:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾
الحقيقة المرة نحن لسنا مستخلفين الآن، قال تعالى:
﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾
والدين الآن ليس ممكناً، لسنا مستخلفين، قال تعالى:
﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ﴾
إن لم يمكن لنا ديننا معنى ذلك أنه لم يرتضه لنا، لم يكن فهمنا للدين كما ينبغي:
﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
نحن لسنا آمنين، إذاً لسنا مستخلفين ولسنا آمنين ولسنا ممكنين، الجواب بكلمة واحدة:
﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾
فإذا أخلّ الطرف الآخر بما كلفه الله به من عبادة الله جل جلاله في حلّ من وعوده الثلاثة، هذا ملخص الملخص، فنحن لا سبيل إلى أن نستعيد مجد أمتنا، وأن نستعيد قوتنا، وأن نكون مستخلفين إلا باتباع ما يلي، إذاً يعبدونني، فإن قصرنا في العبادة تبقى الوعود غير محققة، لعلة صارخة وهي عدم التطبيق، فالانتماء الشكلي للدين لا يقدم ولا يؤخر، أو ما يسمى بالإعجاب السلبي، أي مسلم يفتخر بدينه دين عظيم، دين الوحيين، لكن عملياً لو دققنا بحياته الشخصية لا يوجد التزام لا بكسب المال، ولا بإنفاق المال، ولا بالشأن الأسروي.
المذيع :
هذا الافتخار لا يفيد لأنه باللسان.
الدكتور راتب:
أنا أسميه الانتماء القولي فقط، أو الإعجاب السلبي، أما أنا حينما أطبق فزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين.
المذيع :
هل بعدنا عن التطبيق في حياتنا هو سبب الهم والحزن في حياتنا؟
الإعراض عن الله سبب الهم والحزن في حياتنا :
الدكتور راتب:
الآية الأولى:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
يقابلها قوله تعالى:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً* قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾
الحقيقة أن الإعراض عن الله عز وجل يسبب الهم والحزن، هناك سؤال طرح: ما بال الملوك والأغنياء معه ملايين مملينة، يعيش برفاه يفوق حدّ الخيال، فكان الجواب إنه ضيق القلب، لذلك المؤمن يتمتع بحالة من الأمن لو وزعت على اهل بلد لكفتهم، وغير المؤمن يتمتع بحالة من القلق تأكيداً لقوله تعالى:
﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا ﴾
المذيع :
سؤال يدور على لسان كثير من الناس نقول دائماً إن المؤمن مرتاح، وإن المؤمن باله هادئ، المؤمن يعيش في حياة سعيدة، لكن الواقع اليوم كثير من المسلمين والملتزمين حياتهم صعبة مليئة بالمشاكل والقتل.
الفرق بين المسلم الملتزم و المسلم الغير ملتزم :
الدكتور راتب:
يجب أن نفرق بين مسلم ملتزم وغير ملتزم، الملتزم إنسان عادي، يخضع لمليون قانون، نحن عندما نتصور أن المؤمنين ملتزمون ينشأ معنا مشكلة كبيرة جداً، أنا أقول لك كلمة: يوجد مليار وسبعمئة مليون مسلم، كم واحد من هؤلاء يصلي؟ أنا لا أعلم، ولكن أقدر أن هناك ملياراً يصلون، وسبعمئة مليون لا يصلون، تفتح الحديث:
(( ليس كل مصلٍّ يصلي، إنما أتقبل صلاة ممن تواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي، وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس على أن أجعل الجهالة له حلماً، والظلمة نوراً يدعوني فألبيه، ويسألني فأعطيه، ويقسم علي فأبره، أكلؤه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يتسنى ثمرها ولا يتغير حالها ))
هذا وعد إلهي، قال تعالى:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾
نحن لسنا مستخلفين، ولسنا ممكنين، ولسنا آمنين، لعلة واحدة هي العبادة، قال تعالى:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
فإذا أخلّ الفريق الثاني بما كلفه الله به من عبادة فالله عز وجل في حلّ من وعوده الثلاثة، هذه الحقيقة المرة، هذا مستقيم خمسون بالمئة، له عطاء خمسون بالمئة.
المذيع :
نأخذ إن جاز التعبير أنواعنا مع الله عز وجل كمسلمين، يوجد مسلم ملتزم؟
الإسلام دين فردي وجماعي بآن واحد :
الدكتور راتب:
المؤمن الملتزم وعود الله عز وجل الفردية محققة، عندنا وعود جماعية ووعود فردية، قال تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
هذا وعد جماعي، لكن قال تعالى:
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾
وعد فردي، كمؤمن وحيد الله عز وجل عندما خلق الإنسان سخر له ما في السماوات وما في الأرض تسخيرين، تسخير تعريفٍ و تسخير تكريم، موقف الإنسان من تسخير التعريف أن يؤمن، وموقفه من تسخير التكريم أن يشكر، فإذا آمن وشكر تتوقف فوراً جميع المعالجات الإلهية، الآية صريحة قال تعالى:
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾
هذا الكون مسخر تسخير تعريف، فالإنسان المؤمن آمن، وتسخير تكريم الإنسان المؤمن شكر، كفرد إذا آمنت وشكرت قطفت من الدين كل خصائصه الفردية لا الجماعية.
أما كأمة، قال تعالى:
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾
إذا طبقت منهج رسول الله فالعذاب مستحيل، قال تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
مادامت يا محمد سنتك قائمة في حياتهم، ما داموا يطبقون منهجك فهم في مأمن من عذاب الله، وفي مأمن ثان قال تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾
إذاً أنا أريد أن أبين أن هناك موقفاً لمؤمن فردي وموقفاً لأمة، هذا الإسلام دين فردي وجماعي بآن واحد، فالفرد المسلم إذا استجاب لتسخير التعريف فآمن، واستجاب لتسخير التكريم فشكر، حقق الهدف من وجوده كفرد، وعندئذ تتوقف جميع المعالجات الإلهية لشخصه فقط، فالمؤمن إذا استقام على أمر الله، وطبق منهج الله في بيته وفي عمله فقط، أنت مكلف أن تقيم الإسلام في نفسك أولاً، وفي بيتك ثانياً، وفي عملك ثالثاً، انتهت مهمتك، تقطف ثمار الإسلام الفردية، لك معاملة خاصة، والأمة لها معاملة ثانية حينما تطبق منهج رسول الله، عندئذ تنتصر.
المذيع :
هذا للفئة الأولى على صعيد الفرد وعلى صعيد الأمة ماذا عن أقل من المؤمن الملتزم؟
معالجة الله للإنسان المقصر في استقامته :
الدكتور راتب:
الأقل أي الغير الملتزم هذا يعالج من قبل الله عز وجل تساق له بعض الشدائد، قال تعالى:
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
صار عندنا حالة ثالثة، يوجد أناس مقصرون في استقامتهم تساق لهم بعض الشدائد لعلهم يرجعون:
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
أي مستحيل إنسان لا يخضع لمعالجة إلهية، فإذا كان مؤمناً صادقاً، وحقق إيمانه بقناعاته، وباستقامته، له معاملة خاصة كفرد، الآية تقول:
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾
إذا أمة طبقت منهج رسول الله، واتخذت هذا دستوراً لها، هذه الأمة تنجو من عذاب الله، يوجد فرد ويوجد جماعة، أما حينما يقول أحدهم فما بال الأقوياء والأغنياء لا يطبقون وينفقون إنفاقاً فلكياً؟ نقول: إنه ضيق القلب هذا الذي يمنعهم من السعادة، يوجد قلق، والدليل آية ثانية:
﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا ﴾
فالمشرك عنده رعب دائم وإن كان أقوى قوة في الأرض.
المذيع :
الرعب من ماذا؟
الخوف من المجهول :
الدكتور راتب:
من شيء متوهم، ليس سعيداً، لذلك قالوا: أنت من خوف الفقر في فقر، هل تصدق أحد أنواع أمراض القلب الخوف من مرض القلب، أنت من خوف الفقر في فقر، وأنت من خوف المرض في مرض، وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها.
المذيع :
أليس هذا من فطرتنا الخوف من المجهول؟
الدكتور راتب:
دائماً وأبداً الأمراض النفسية كلها نحن درسنا في الجامعة مادة الصحة النفسية، فيها ثلاثمئة مرض نفسي، تقرأ الكتاب تتوهم أن معك جميع هذه الأمراض، فعندما شكونا إلى أستاذنا، قال: لا، كل هذه الأمراض هي وسائل دفاع عند الإنسان، لكنها وسائل دفاع بسيطة، مثلاً بالتكذيب، أنت اشتريت سيارة، وبعد يومين ظهرت إشاعة قوية أن هناك تخفيضاً للجمارك خمسون بالمئة، أنت ترفضها، ليس صحيحاً هذا الكلام، عندما ترفضها ترتاح، الذي لم يشتر سيارة يصدقها، عندما صدقها ارتاح، هذا هو العقل الباطن، العقل الباطن يريح دائماً، فالإنسان يقبل شيئاً يريحه، وهذه قاعدة مهمة جداً، يأتي بعض الدعاة يخففون التشديد، يعطون رخصاً، لم يعد هناك التزام، تجد أي داعية يعطي تسهيلات له شعبية كبيرة جداً، لكن لا يوجد معه مزاح بالدين، أنا أقول دائماً: الإنسان يجب أن يقبل الحقيقة المرة، وإذا قبلها يكون بطلاً، هناك شخص يقفز عليها، يتجاوزها، يحب أن يكون الدين أشياء، مثلاً آية الكرسي بغرفة الضيوف، مصحف في السيارة، ولكن هو لا يلتزم بمنهج الله لا بكسب ماله، ولا بإنفاق ماله، فهو محجوب عن الله حجاباً خفيفاً، وكلما كانت المعصية أثقل يكون الحجاب أثخن.
المذيع :
نتحدث دكتور عن الهم وعن الحزن الذي يصيب الإنسان في حياته وبارك الله بكم لهذه المعلومات.
الهمّ عاقبة المقصر بعمله :
الدكتور راتب:
ذكرت نصاً: من قصر بالعمل ابتلاه الله بالهم، هذا النص فيما يروى أنا أقول أدق كلمة، جاء في الأثر: " من قصر بالعمل ابتلاه الله بالهم ".
المذيع :
ما المقصود به؟
الدكتور راتب:
الإنسان يكون لا يوجد عنده سبب للقلق إطلاقاً، دخل جيد، ومكانة اجتماعية، وبيته منتظم، وزوجته، وأولاده، لكن يوجد تقصير بعباداته فيشعر بهم دائماً، لذلك قالوا: الهم أحد المعالجات الإلهية للتقصير، من قصر بالعمل ابتلاه الله بالهم، ما أتقن صلواته، فاتته صلوات كثيرة، مشغول بالدنيا، ابتلاه الله بالهم، فهذا الهم نوع من التأديب الإلهي، فالإنسان حينما يشعر بالهم الشديد يكون هناك تقصير بالعمل ليبحث عن السبب، والبطولة دائماً أن نكتشف السبب، وهناك نص دقيق جداً ورد في الأثر: " ما من عثرةٍ - شخص يمشي وقع- أو اختلاج عرقٍ - اضطرب، سيارة مسرعة كادت أن تدهسه- ولا خدش عودٍ - مسمار عمل له خطاً بيده- ما من عثرةٍ ولا اختلاج عرقٍ ولا خدش عودٍ إلا بما قدمت أيديكم وما يعفو الله أكثر".
أنا حينما أفهم هذا النص فهماً دقيقاً أشعر أنه لا يوجد عمل يمكن أن يقع على الإنسان إلا فيه حكمة بالغة، والبطولة أن أفهم الحكمة، لأنني إن فهمت الحكمة ربطت بين ما جرى وبين السبب الحقيقي لهذا الذي أصابني، فإذا تركت هذا الذي فعلته خطأً و الذي تسبب لي بهذا الشيء الصعب أكون قد استفدت من هذه المصيبة، لذلك من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر، صار هو المصيبة، الله يسوق للإنسان معالجة نفسية، معالجة إلهية، حتى يترك ذنباً من الذنوب، يعتبرها هذه قضاء وقدر، الحياة طبيعتها هكذا، ألغى حكمة هذه المصيبة، الفكرة دقيقة، من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر، هو المصيبة.
المذيع :
هل يعني أن كل مصيبة أو هم أنا ...
أنواع المصائب :
الدكتور راتب:
دخلنا في موضوع ثالث، المصائب خمسة أنواع؛ مصائب تصيب الأنبياء فقط، هذه مصائب كشف، ينطوي على كمال مذهل، هذا الكمال لا يبدو في الحالة العادية، فحينما يذهب إلى الطائف على قدميه، ويدعو أهلها إلى الإسلام، ويقفون موقف المكذب الساخر، بل وأغروا صبيانهم ليضربوه، ويضرب ويسيل الدم من قدمه الشريف، فيأتيه ملك الجبال يقول: يا محمد أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك، لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين، قال: لا يا أخي:
(( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمونَ ))
هذا مقام النبوة، مصائب الأنبياء مصائب كشف فقط، معك سيارة عبارة عن مئة وعشرين حصاناً، لا تبدو قيمة الأحصنة في الطريق السهل، ولا في الطريق الهابط، هذه تبدو بخمسة ركاب، وأثاث كامل، والطريق صاعد، وأنت تمشي على المئة والعشرين، الحكم على المحرك لا يبدو بالسهل ولا بالطريق الهابط.
المذيع :
المصيبة الأولى للأنبياء مصائب كشف والثانية؟
الدكتور راتب:
للمؤمنين مصائبهم دفع ورفع، سرعته إلى الله بطيئة، لاح له شبح مصيبة فقام صلى قيام الليل، يقرأ قرآناً كل يوم، يغض بصره غضاً حازماً، فبعد شبح المصيبة ضاعف استقامته، حسن صلته بالله، مصائب دفع.
عنده زميل في الدائرة أقنعه بالصلاة فصلى، لماذا اكتفيت بواحد تقنعه بالصلاة أقنع اثنين؟ دفع ورفع، دفع يرفع له سرعته إلى الله، ورفع يرفع له عمله الصالح، المصيبة للمؤمن دفع ورفع فقط.
والصنف الثالث الكفار ردع وقصم، المجموع صار كشفاً، دفعاً، رفعاً، ردعاً، قصماً، غير المؤمن الله يرحمه كيف؟ يعمل له إنذاراً أخيراً، يسوق له مصيبة، غير المؤمن إذا فهمها فهماً دينياً، ابتعد عن أخطائه، انتهت العملية، معنى هذا أنها حققت هدفها، أما إذا ما انتبه فيأتي القصم، صار عندي خمس درجات، كشف للأنبياء، دفع للمؤمنين، رفع لأجرهم، ردع لغير المؤمنين، قصم لإنهائهم، الآية تقول:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾
الأسلوب الإلهي لهداية الخلق :
سندخل في موضوع دقيق، الأسلوب الإلهي لهداية الخلق خمس مراحل، أو خمسة أنواع، الأول: الهدى البياني، وأنت صحيح، معافى في بيتك، أمامك زوجتك، لا يوجد عندك أية مشكلة، تسمع درساً بالإذاعة، تسمع خطبة بالجامع، تقرأ كتاباً علمياً عن الدين فقط، هذه مرحلة أولى، الهدى البياني، وأنت بأعلى درجات الراحة والسعادة تطلع على قضية إسلامية، هذه من الله عز وجل، يسمعك خطبة، أحياناً يلهمك أن تشتري كتاباً معيناً أعجبك عنوانه، تقرؤه، هذا الهدى البياني، وأنت لا يوجد عندك أية مشكلة.
الموقف الكامل للهدى البياني أن تستجيب، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكم ﴾
الموقف الكامل من الهدى البياني الاستجابة، هذا الإنسان لم يستجب الآن، يخضع لأسلوب آخر اسمه التأديب التربوي، قال تعالى:
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
فالإنسان إن لم يستجب يخضع للإكرام الاستدراجي، قال تعالى:
﴿ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾
دخل كبير، مكانة اجتماعية، سيارتان أو ثلاث، ومكانة كبيرة، المفروض أن يشكر، بالهدى البياني أن يستجيب، بالتأديب التربوي أن يتوب، بالإكرام الاستدراجي أن يشكر، لا استجاب ولا تاب ولا شكر، بقي القصم، قال تعالى:
﴿ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾
أرجو الله لأخوتنا المستمعين أن نبقى في المرتبة الأولى، دعينا إلى الله فاستجبنا، سمعنا حقيقة دينية رائعة فطبقنا، استمعنا إلى خطبة متوازنة اتبعنا ما قاله الخطيب، هذا الهدى البياني، وإذا ما نجح الهدى البياني عندنا التأديب التربوي، الهدى البياني استجابة، التأديب التربوي توبة، الإكرام الاستدراجي شكر، وآخر شيء القصم، فأرجو الله عز وجل ألا نصل مع الله إلى آخر مرحلة.
المذيع :
من يسير في طريق الله يكون بعيداً عن الهم وعن الحزن؟
ربط الإيمان بالعمل الصالح :
الدكتور راتب:
طبعاً بالعكس إذا قال الله عز وجل:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
إله يقول هذا الكلام، هذه الحياة الطيبة فوق الحزن، فوق الهم، فوق القلق، فوق المصائب، قال تعالى:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
هذه الحياة الطيبة زوال الكون أهون على الله من ألا تحقق للمؤمنين.
المذيع :
لماذا ربط بالإيمان والعمل الصالح؟
الدكتور راتب:
علة وجوده في الدنيا العمل الصالح، فإذا أدرك هذه الحقيقة، وعمل أعمالاً صالحة، حقق الهدف، ممكن أب يستقبل ابنه آخر السنة معه جلاء ناجح نجاحاً متفوقاً، أخذ علامات تامة بمعظم المواد، وهناك شرح لأخلاقه العالية، ممكن أن يضرب ابنه؟ مستحيل، لا يوجد أب بالأرض يفعل ذلك.
المذيع :
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾
الدكتور راتب:
أحياناً يكون هناك عمل صالح هدفه السمعة، أحياناً يكون الإنسان جالساً في مجتمع فيه تبرعات لمشروع إسلامي، إذا ما آمن بالله، وليس ملتزماً، وقدم مبلغاً ضخماً، ما أحسن عبدٌ من مسلم أو كافر إلا وقع أجره على الله في الدنيا أو في الآخرة، مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تقدِّم عملاً طيباً لأيّ جهة في الأرض للبشر تعمل تأميناً طبياً، أنت وزير مثلاً لك في الدنيا مكافأة من الله بصرف النظر عن عقيدتك.
المذيع :
لو كان غير مؤمن ولا مسلم عمل شيئاً للأيتام، بعضهم في الغرب يعمل للأيتام.
الدكتور راتب:
ما أحسن عبدٌ من مسلم أو كافر إلا وقع أجره على الله في الدنيا أو في الآخرة، يأتي قول ابن تيمية: إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة. والدنيا تصلح بالكفر والعدل ولا تصلح بالإيمان والظلم. الدنيا لها حسابات غير الآخرة.
المذيع :
المعيار في الدنيا هو العدل، وليس الإيمان، العدل وإن كان مع الكفر هو خير من الإيمان مع الظلم، لكن الأرقى أن يكون عدل وإيمان كما كانت الدولة الإسلامية والنبي والخلفاء الراشدون فسادت كل الأمم..
في الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الهم والحزن جندي من جنود الله عز وجل هل لنا أن نوضح ذلك؟
التقاء العمل العبادي مع العمل الذكي بالنتائج واختلافهما بالبواعث :
الدكتور راتب:
لكن قبل أن أوضح ذلك أريد أن أغطي حالة تصيب الإنسان إذا ذهب إلى أوروبا أو أمريكا، يجد كفراً وإباحية والمعاصي كلها محققة، والجماعة يعيشون براحة كبيرة، وباستقرار، وبدخل فلكي، هذه حالة، قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾
هذه حقيقة قرآنية، الإنسان عندما يعرض عن سماع الحق كلياً، ويتقن دنياه، يقطف ثمن إتقان دنياه عطاء ودخلاً كبيراً ومكانة عالية، الإيجابيات في العالم الغربي إيجابيات أساسها إسلامية، أعطوا للناس حقوقهم، عملوا تأميناً صحياً، عملوا تعويض عمل، عملوا تكافؤ فرص، عملوا أشياء جيدة جداً، بدافع ذكائهم هذا يقودنا إلى حقيقة مهمة جداً أن العمل العبادي يلتقي مع العمل الذكي في النتائج، ويختلفان في البواعث، فكل إيجابيات الغرب إسلامية دون أن يشعروا، أعطينا الفرد حريته، أعطيناه تعويض عمل كبير، هم استخدموا ذكاءهم، العمل الذكي يلتقي مع العمل العبادي.
المذيع :
كل الميزات التي عند الغرب إسلامية.
الدكتور راتب:
كل إيجابيات الغرب إسلامية دون أن يشعروا، لا لأنهم يعبدون الله، بل لأنهم يعبدون الدولار من دون الله، أن تعبد الدولار ينبغي أن تقيم تكافؤ فرص، ينبغي أن تقيم خصائص في المجتمع.
المذيع :
هل الغم والهم جندي من جنود الله؟
ضيق القلب أحد أنواع المعيشة الضنك :
الدكتور راتب:
إنسان لا يكون عنده أي سبب للقلق، لكن قلبه مقبوض، أحد أنواع المعيشة الضنك ليس الفقر وليس المرض إطلاقاً بل ضيق القلب، عندما قلنا:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾
يوجد إنسان سأل عالماً كبيراً قديماً، ما بال الأغنياء والأقوياء؟ أين المعيشة الضنك؟ الذي بيده كل شيء يستطيع أن يأكل أفضل أنواع الطعام في العالم، كنت في غينيا، حاكم غينيا يأتيه الطعام من مطعم مكسيم من باريس بالطائرة يومياً، يأكل أفخر طعام، و يسكن في أجمل قصر في العالم، ومع ذلك معيشته ضنك لأنه ينقصه أن يتصل بالله، ويقيم منهج الله في الأرض، فلما غفل عن هذه الحقيقة أصبحت حياته لا تطاق، لأن هناك حالة اسمها السأم والضجر، أنت كإنسان مصمم أصلاً لمعرفة الله، إذاً عندك نفس طبيعتها لا نهائية، ما الذي يسعدها؟ الهدف اللانهائي وهو الله، مادام الهدف هو الله فأنت أسعد الناس، فإذا كانت نفسك لا نهائية، واخترت أنت هدفاً نهائياً محدوداً، وبلغته، شعرت بتفاهته وأنت فيه، هذه حالة واضحة جداً، انظر إلى غني بعيد عن الدين، حياته مملة، أكل أطيب الطعام، وسافر إلى معظم البلاد، وركب طائرات، واستمتع بالفنادق، يقول لك: الدنيا لا يوجد بها شيء، هذه حالة تصيب الأغنياء إذا بلغوا أهدافهم، أو الأقوياء إذا بلغوا أهدافهم، أما المؤمن فلأنه اختار الله، الله لا نهائي، من هو الشاب؟ الذي له هدف أكبر منه فقط.
المذيع :
الحل أن يكون الإنسان دائماً له أهداف وطموحات حتى في الدين أعلى.
من عاش تقياً عاش قوياً :
الدكتور راتب:
إذا كان هدفه الله، شاب في التاسعة والتسعين شاب، أنا أقول الشباب ليس سناً، ليس عمراً زمنياً، الشباب إنسان هدفه أكبر منه، المؤمن مهما عاش إيمانه جعله أسعد الناس، يجب أن يقدم شيئاً لله عز وجل، أنا زرت والد صديقي، لدي صديق أحببت أن أزوره في العيد، طرقت الباب فتح لي والده قال لي: محمد ليس موجوداً، تفضل بالدخول، ودخلت، قال لي: عمري سبع وتسعون سنة بالضبط، أجريت البارحة تحليلات كاملة، وكانت النتائج أن كل شيء طبيعي، سبع وتسعون سنة تحليلات كاملة، كله طبيعي، قال لي: والله أنا لا أعرف الحرام في حياتي، وشرح لي، لا حرام النساء ولا حرام المال، فأنا ربط هذه بهذه يتمتع بصحة تامة بالسابعة والتسعين ولا مشكلة صحية عنده.
لدينا عالم في الشام اسمه الشيخ السفرجلاني، بلغ من العمر سبعة وتسعين عاماً، منتصب القامة، حاد البصر، مرهف السمع، أسنانه في فمه، فإذا: سئل يا سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله بها؟ يقول: يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً.
المذيع :
ما المقصود حفظناها في الصغر فقط من حرمات الله؟
الدكتور راتب:
ما زنا، ما كذب، ما سرق، حفظ أمر الله في الصغر يحفظ الله له صحته.
المذيع :
والحديث واضح: " احفظ الله يحفظك ".
الدكتور راتب:
سوف أقول أثراً: من تعلم القرآن متعه الله بعقله حتى يموت.
المذيع :
المقصود حفظ القرآن الكريم.
العضو الذي لا يعمل يضمر :
الدكتور راتب:
أن تدرس القرآن الكريم، تفسيرها هناك قاعدة بالجسم: العضو الذي لا يعمل يضمر، الدليل لو أن إنساناً كسرت يده فوضع الجبس عليها ثلاثة أشهر يذهب اللحم، تذوب، المسلم يصلي الفجر ركعتين، بكل ركعة يقرأ الفاتحة وسورة، هذا نشاط فكري، ركع، رفع، سجد، أول سجدة، الثانية، الصلاة وحدها فيها نشاط فكري، وكلما كان هناك نشاط فكري الدماغ ينشط، تتوسع الأوعية في الدماغ، أذكر مرة جاء طبيب لامرأة مسنة، وضعها الصحي سيئ جداً، قال الطبيب لأهل هذه المرأة: تكلموا معها، أنا ما فهمت هذا، ما علاقة الكلام بأمراض الدماغ؟ قال: الكلام ينشط الدماغ، أنا فهمتها فهماً أعمق، أنت عندما تصلي خمس صلوات، دخل المغرب ثلاث ركعات، ركعتان فيهما قراءة، والثالثة بدون قراءة، دخل العشاء أربع ركعات، الفجر ركعتان، أي إنسان يصلي فهو في نشاط ذهني دائم، هذا النشاط الذهني هو صيانة للدماغ، حتى أن هناك رأياً ثانياً؛ شخص سأل طبيباً إذا الإنسان لم يمت بأي مرض كيف يموت؟ لا جلطة على القلب، ولا فشل كلوي، ولا تشمع كبد، كيف يموت؟ فكان الجواب: يموت بتصلب الشرايين، ما هو التصلب؟ القلب عندما ينبض الشريان يتوسع لأنه مرن، ما معنى مرن؟ أي مثل المطاط تشده ويرجع، القلب عندما ينبض يتوسع الشريان، عندما يتوسع وهو مرن يرجع كما كان، فصار الشريان قلباً ثانياً، ضع يدك تجد نبضاً، معنى هذا أن كل شريان معه مرونة، فالإنسان عندما ينام نوماً مديداً لا يصلي الفجر تصبح حركة الدم بالأوعية بطيئة، فإذا أصبحت حركة الدم بالأوعية بطيئة كم يوجد من ذرات دهنية تترسب على جدار الشرايين؟! فإذا كثرت هذه الذرات على جدار الشريان يتصلب، لا يتجاوب مع القلب، يتعب القلب ويموت الإنسان، الإنسان عندما ينام ثماني ساعات متواصلة بلا صبح، بلا فجر، استيقظ الساعة العاشرة، النوم المديد ينزل حركة القلب للخامسة والخمسين، النبض الطبيعي ثمانون نبضة بالدقيقة، يصبح نبض النائم خمساً وخمسين فقط، أصبح الدم بطيئاً وترسبت ذرات الدهن على الجدران فأفقدته المرونة فتعب القلب، كل الشرايين قلوب، أي شريان قلب آخر لأنه مرن، يتوسع وينزل فلما ترسبت الدهون تصلب.
المذيع :
حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
(( عَجَبا لأمر المؤمن! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير..))
لماذا كان الخطاب للمؤمن؟
إيمان المؤمن بالقضاء و القدر :
الدكتور راتب:
لأنه مؤمن بالقضاء والقدر، ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة، المؤمن مؤمن بالقضاء والقدر، المؤمن لا يمرر المصيبة مروراً عابراً، لا يقول: هكذا الحياة، لا، ليس هكذا الحياة، لا يقول: القدر سخر مني، لا، ليس هذا القدر، لا يقول: هذا مصاب مكتوب عليّ من الأزل، هذا الكلام غير صحيح، أكثر تفسيرات غير المؤمن للمصائب تفسيرات خاطئة، وما يهلكنا غلاء الدهر، لا، هذا ليس الدهر، يقول لك: الدهر يوم لك ويوم عليك، هذه الكلمة اركلها بقدمك، هذه البنت مسكينة لا حظ لها، لا، هذا الكلام غير صحيح بل انظر إلى سلوكها، عندما تعطي الحظ مفهوماً آخر غير صحيح في الإسلام لا يوجد حظ، يوجد توفيق إلهي وعدم توفيق.
المذيع :
إذا فتاة ما توفقت لزوج هل معنى هذا أنها أصابت خطأً؟
الدكتور راتب:
لا، لكن لا تربطها بالحظ..
المذيع :
لحكمة من الله لم يأذن لها.
الدكتور راتب:
هذا جواب الشيء الذي لا يعجبني في حياتي، هناك حكمة بالغة بالغة عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها، وحينما يكشف الله للإنسان حقيقة ما ساقه له من متاعب في الدنيا يجب أن يقول: الحمد لله رب العالمين، يجب أن يذوب كالشعمة محبة لله على ما ساقه الله له في الدنيا، هذا القضاء والقدر.
المذيع :
الله عز وجل حثنا ان نكون من الذاكرين...
الذكر هو أي نشاط هدفه معرفة الله و دينه :
الدكتور راتب:
﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
ذكر الله كلمة واسعة جداً جداً، الصلاة ذكر، تلاوة القرآن الكريم ذكر، حضور مجلس علم ذكر، سماع الدرس بالإذاعة ذكر، أي شيء ترتبط به بالحق، بالله، ذكر، سماع قراءة القرآن الكريم ذكر، والعمل الصالح ذكر، وبحث في الفقه قراءته ذكر لله، أي نشاط هدفه أن تعرف الله، أو أن تعرف دينه ذكر، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾
المذيع :
إذاً القلوب ملك للرحمن عز وجل ومن سار في طريق الله جعل الله السعادة نوراً في قلبه.
من أقام أمر الله فيما يملك كفاه ما لا يملك :
الدكتور راتب:
هذا الإسلام يطبقه إنسان لوحده من بين ثمانية مليارات يأخذ كل ثماره الفردية، وليس الجماعية، الآن أي أمة تطبق هذا الدين تنتصر على أعدائها، أقم أمر الله فيما تملك يكفك ما لا تملك، الثانية:
(( فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))
هذا الضعيف فقير أطعمته، مشرد آويته، جاهل علمته، مريض عالجته، لك مكافأة عند الله عز وجل من جنس عملك، كما أنك نصرت من هو أضعف منك ينصرك على من هو أقوى منك، أقسم لك بالله خلاص الأمة بهذا الحديث.
(( فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))
المذيع :
لعلنا نتابع بحلقة مستقلة هذا الحديث، الله يفتح عليكم دكتور نختم حلقتنا بالدعاء؟
الدعاء :
الدكتور راتب:
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.
خاتمة و توديع :
المذيع :
بارك الله بكم فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، إلى هنا مستمعينا ينتهي هذا اللقاء، تحدثنا عن الهم والحزن، ألا بذكر الله تطمئن القلوب، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك، طيب الله أوقاتكم، السلام عليكم.